أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

وكله بالذكاء الاصطناعى

أحمد عباس

الأحد، 04 يونيو 2023 - 07:59 م

العاصفة لما قامت أخذت فى وشها كل ما لقيته كل شيء بلا استثناء، الناس والأشياء كانت تطير فى الشوارع والطرق والتراب الدقيق يلف فى موجات قطرها عملاق ويسرى بين البيوت فى دوائر مسرعة كأنها دوامة، صديقى الذى لم يعرف كيف يصف المشهد بينما كان يحكى قال: كأنك فتحت كيس المكنسة فجأة!
السيدة فى البيت المواجه واقفة فى البلكونة فى عز الاعصار تصرخ بينما تتشبث بالستارة جيدًا وتقول كل شىء ما عدا أنها تستغيث، مصرة على مقاومة العاصفة بلا سبب واضح، رأيت ذلك كله من خلف زجاج شرفتى البنى بينما كنت أعافر لاغلاقها باحكام، عبرت موجات من الإعصار والسيدة على حالها وأنا أشفق عليها هل نساها أهل البيت بالشرفة وأغلقوا الباب من الداخل، ربما! أخيرًا استغاثت السيدة: الغسيل.. الحقونى الغسيل!


عبر الاعصار بسلام بعد أن جعل القلوب تخفق فى الصدور كأنها النهاية، لكنه ذهب آخذا معه كل قنوات الدِش، لم يترك لى واحدة فقط أتابعها لا من القنوات المحلية ولا العربية ولا الأجنبية، فقلت يا رب لك الحمد وشكرًا فجميعها تكذب من ناحية وتقول الحقيقة من وجهة نظرها، اضطرنى الأمر لفك جهاز الاستقبال وارساله لخبير ما على ناصية الشارع، نظر الرجل للجهاز بحنكة وسحب نفسًا من سيجارته بينما أغلق عينه اليسرى وقال: ههههه الاعصار طبعًا.. لا لا ما تقلقش بسيطة استنانى برا شوية. انهى الخبير توصيل الجهاز وتابع حالته ثم لفه لفة جيدة واعاده لى وقال: اطمن كده كله تمام، سألته: بهذه السرعة، فأجاب: الذكاء الاصطناعى يا بيه.
عدت لبيتى على عجل لأتابع ما فعله الاعصار وأطمئن إذا كان هناك ضحايا أو مصابون، فتشت فى كل القنوات كلها ضاعت والرسالة تقول « لا إشارة» حتى قناة الكرتون للأسف الجهاز نفسه لا يعمل، على كل الأحوال القنوات جميعها تكذب حتى فى أفلام الكرتون، فلا أميرة الأحلام عادت تجد فتاها الفقير ينتظر بين عيدان الذرة ولا هناك أعواد ذرة ولا للعالم مُخلص جبار من كل الشرور، ثم أى ماسورة تتحمل أن يعيش بها أربعة سلاحف ومعلمهم يأكلون البيتزا ويحاربون الشرور، تبًا لوحل الشوارع وتبًا للذكاء الاصطناعى وتبًا أخرى لغسيل السيدة، ولا داعى أيضًا حتى لقنوات الكرتون.


الفرصة باتت سانحة جدًا للعيش فى الحقيقة المفرطة ولا شىء أكثر صدقًا مما تراه العين وتسمعه الأذن، آه.. الراديو، فليكن الراديو هو الحل، المذيع أطال النحنحة جدًا ثم قال بصوت ناعم: ما تتعبيش نفسك لإزالة الهالات السوداء من تحت عنيكى ووداعا لاسمرار تحت الابط ثم أعلن عن اسم ضيفه الأستاذ الدكتور مشهور مشهور أستاذ التجميل والتحميل والتمويل، انخرط الطبيب فى سرد وصفات طبيعية مفيدة لصحة المرأة كأنه «بلانة» ثم قال: كل هذه الوصفات البلدية لانفضلها والحل الوحيد هو الذكاء الاصطناعى زورونا فى عيادتنا، قالها بنعومة مفرطة ثم تلا عنوان مقره وهاتفه.. اذن لا أخبار عن الاعصار أو حال الناس ولا غيره وكله ماشى بالذكاء الاصطناعى.


وزيرة البيئة تصرح بأننا مستعدون تمامًا بنبوءات مسبقة عن حالة الجو وهى تنبؤات دقيقة إلى حد كبير جميعها تتم بالذكاء الاصطناعى، فانبهر المذيع ورد: إذن لماذا لم تشر الوزارة إلى هذا الإعصار!، فقالت: لأنه كان مفاجئًا.. حقًا!!
العالم يصول ويجول بالذكاء الاصطناعى ويجرى جراحات شديدة التعقيد ويفض زحامات المدن ويقيم حروبًا ويدير شركات وبورصات ويصنع السلاح ويتنبأ بتجمعات الأسماك فى البحور ويرى المياه الجوفية على أبعاد شاسعة فى الصحراء ويستعان به فى كل شبر بينما نحن نلعب به ونقحمه حتى فى أقيسة ملابسنا الداخلية، والمعركة ما تزال دائرة على الراديو بين الملحن المشهور والمغنى الهضبة ذاك بالعناد وذلك بالتجاهل والأمر مختزل عند هاهنا، يجرى ذلك كله بينما يصمت الذكاء الاصطناعى ويسحب كرسى ويتابع ما يفعله به سكان العالم الثالث.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة