صورة موضوعية
صورة موضوعية


ثيمة الاغتراب في روايات التلمساني

أخبار الأدب

الأحد، 02 يونيو 2024 - 01:52 م

جهاد الرنتيسي

ثمة سمات مشتركة بين الروايات الأربعة للروائية مى التلمساني، تتوزع بين «التقني» و«المعرفي»، وتذهب بعيدا نحو أعماق الفكرة الضابطة لإيقاع العملية الإبداعية، لتكتمل الرؤية المراد إيصالها للقارئ.

تحرص الروائية مثلا على سير «الفني» و«المعرفي» فى خطين متوازيين، من خلال الإبقاء على هامش واسع للتجريب، مع تقديم وجبة معرفية للقارئ، مما يضعنا أمام حالة من التوازن بين المتعة والمعرفة، ويندرج فى هذا السياق استخدام التلمسانى للجمل القصيرة التى تتيح سهولة ومتعة التقاط الأحداث ورسوخها فى ذهن القارئ.

غربة الإنسان عن محيطه ثيمة عوالم الأعمال الروائية الأربعة للتلمساني، تتناولها من زوايا مختلفة، تتباين التوصيفات بحكم اختلاف الأحداث، لكن الثيمة حاضرة دوما، لتعبر عن التناقض بين الإنسان والمجتمع، وتحقيقه للفعل الذى لا يتحقق فيه.

تأخذ الغربة فى «دنيا زاد» التى تروى حضور طفلة توفيت أثناء الولادة فى تفاصيل الحياة اليومية للأم شكلا ـ قد يكون جديدا على المتابعين لاغتراب الانسان فى الرواية العربية ـ يتمثل فى الغياب والحضور الملتبس، إخفاق محاولة «الأم ـ البطلة» فى إعادة تشكيل العالم وفقا لقانون الغياب، وفى الإخفاق إمعان بالاغتراب الذى يأخذ شكل ندبة فى الذاكرة تعيد تشكيل شخصية الإنسان أو تزيد من تشوهاتها، ووجدت الروائية فى تجليات الحس الأنثوى مدخلاً للعبة التشويق.

وفى رواية المعمار الاجتماعى ونمط حياة البرجوازية الصغيرة «هيلوبوليس» تستخدم الروائية عبارة «الذاكرة موصل للدهشة» مما يظهر ذاكرة الإنسان عاملا من عوامل الإغتراب ويجردها من ملامح الملاذ الآمن الذى يتم اللجوء اليه عند تأزم العلاقة مع الواقع، كما ظهر المكان أداة لقياس الزمن وتحولاته فى بعض حالاته، وأخذ منحى الأنسنة من خلال التحولات التى ظهرت عليه حينا آخر.

تحاول كل من «ماهى» و«عايدة» فى رواية العلاقات المشوهة و لعبة الصداقة المنقوصة «أكابيلا» التعرف على جوانب معتمة من شخصية الأخرى، او البحث عما يخفيه  نقص الوعى بالذات، من منظور فهم المرأة للرجل وحاجتها إليه، وفى ذلك تعبير ضمنى عن حالة الاغتراب.  

تعمل الروائية على ايجاد منطقة رمادية بين الاغتراب والعجز بعبارة بطلتها «أتخيل الحياة ولا أعيشها، أحلم وتنقصنى الإرادة، وفى كل الأحوال يلجمنى خوف عارم من المغامرة والتغيير» وتؤسطر الرواية الحب بتوظيفه فى إظهار مظلمة النساء وذكورية المجتمع من خلال إشارتها الى أن القليل منه فرض على النساء والكثير حق مكتسب للرجال. 

يحرث مفهوم الاغتراب فى حقل آخر مع رواية «الكل يقول أحبك» التى تدور أحداثها فى بلاد الغرب، ليأخذ ملمح التشظى وتعددية المداخل، ويتيح قراءة أكثر وضوحا للتشوهات الناجمة عن هوية ضائعة بين عالمين، ففى غمرة اللهاث والمنافسة على إثبات وتجديد الثقة تتلف العائلة وتذوى ولا أحد يعرف من أين يأتى العطب، تجده ماثلا فى نظرات العيون، وفلتات اللسان، ومحاولات الهرب من الشراكة الأبدية الى الاحضان المؤقتة.

تتحول المشاعر إلى تروس فى آلات ضخمة حين يعوض العمل عن الحب والغياب وتصير اللهفة مفتعلة، يتحدث أحد الشخوص عن رغبة فى حياة ثانية، فرصة أخرى فى الحياة نفسها، تزيد استحالة تحققها من شقائه ليوحى بغربة عواملها مركبة،  تستغرب إحدى بطلات الرواية الاستمرار فى استخدام مصطلح «المهجر» لتدلل على تعايشها وانسجامها مع حالة الاغتراب، ويجد أحد الابطال صعوبة فى الإعتراف لزوجته بإقامة علاقة أخرى على الطريقة الغربية خشية مطالبتها بحقها فى أن يكون لها عشيق، ليدلل انشداده الفطرى لشرقيته على اغترابه رغم اعتقاده بانقطاع جذوره عن الوطن الأم، ويندفع لحث إحداهن على الاعتراف ولو قسرا بانجذابها نحوه، في محاولة للتعويض عن عقدة نقص ثاوية، ثم يأخذ الهروب من الحزن المقيم والاحتماء من الذكريات منحى العمل ومطاردة النساء لدى شخصية اخرى.

تفرض الأحداث التكنيك الروائى وأشكال السرد فى رواية «الكل يقول أحبك» حيث تم تقسيم الرواية إلى أربعة أجزاء، تتحدث فيها الشخصيات عن تجاربها مع شيء من التداعيات، بما يتيح إمساك الفعل الروائى بجملة العلاقات الإجتماعية.

تبتعد الروائية عن تكرار نفسها بين رواية وأخرى رغم الاحتفاظ بالثيمة، مما يوحى بحرص على التجاوز، كما تستند حيوية الصور وتغير التكنيكات فى روايات التلمسانى إلى ثقافة سينمائية، اكتسبتها من خلال اطلاع وولع بالتفاصيل، كرسها عملها الأكاديمى فى مجالات النقد، مما أتاح الإستفادة من الصورة الى أبعد مدى فى إيصال الفكرة.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة