د. محمود عبد ربه خلال حواره مع الأخبار
د. محمود عبد ربه خلال حواره مع الأخبار


د.محمود عبد ربه رئيس مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا: نسير على الطريق الذى رسمه العالم الراحل

لا مجال للربط بين البحث والتطبيق بدون استراتيجية تدعمها الدولة

الأخبار

الثلاثاء، 11 يونيو 2024 - 04:54 م

كان حديث الدكتور أحمد زويل عن مدينته العلمية، يحلق بالآمال إلى عنان السماء، ثم جاءت وفاته قبل نحو 8 سنوات، لتدفع الجميع إلى التساؤل: هل ستتمكن القامات البحثية التى اختارها الرجل بعناية لمشاركته هذا المشروع من تحقيق ما كان يريده العالم الراحل؟.

لا أخفيكم سرا، أنه أحياناً ما كانت تنتابنى مخاوف من أن المشروع، الذى ارتبط اسمه بالدكتور زويل، سيتحول مع رحيله إلى كيان تقليدي، وجاء ما أثير من لغط، قبل سنوات عن احتمالية رفع اسمه من المدينة، ليؤكد لدى هذه المخاوف، غير أن الرئيس الحالى للمدينة الدكتور محمود عبد ربه، نجح فى إزالتها سريعاً، خلال حوار خاص مع «الأخبار».

وإذا كانت طبيعة الحوارات تقتضى عادة البداية بالأسئلة السهلة، فإن صورة كبيرة للدكتور زويل فى خلفية المكتب الذى يجلس عليه د.عبد ربه، دفعتنى لاستهل حوارى معه بالسؤال الأصعب، حول ما إذا كانت المدينة تسير على نفس النهج الذى رسمه صاحب الصورة.

تمنحنى ابتسامة عريضة ارتسمت على وجهه بعضاً من الطمأنينة، التى زادت بعد أن بدأ الرجل فى إحصاء الإنجازات التى تم تحقيقها، بالرغم من تأكيده على أن التمويل تأثر كثيراً بوفاة الدكتور زويل.

يقول د.عبد ربه: «لا جدال أن المدينة تأثرت بوفاة صاحب المشروع، فاسمه كان كافياً لجلب تمويل بمئات الملايين، ولكن رغم ذلك، فنحن ماضون على الطريق الذى رسمه لهذا المشروع، واستطعنا تحقيق إنجازات عديدة خلال عمر المدينة، الذى لا يتجاوز10سنوات».

وتختفى الابتسامة العريضة لتفسح الطريق لملامح متحمسة ترتسم على وجهه، وهو يحصى الإنجازات، والتى قال إنها كثيرة، لكنه سيختار أبرزها من وجهة نظره، وهي»الحصول على الاعتماد الدولى لبرامج العلوم والهندسة من الولايات المتحدة، كأول مؤسسة مصرية تحصل على هذا الاعتماد، وكذلك احتلال المدينة المركز الأول على مستوى الجامعات المصرية، والعاشر عربياً، فى تصنيف التايمز البريطانية لمؤسسات التعليم العالى للجامعات على مستوى الوطن العربي».

اقرأ أيضا| وفاة شقيقة العالم أحمد زويل.. اعرف موعد ومكان العزاء

الربط بين البحث والتطبيق

وتبقى هذه الإنجازات بحاجة إلى أن يشعر بثمارها المجتمع، وهو ما لن يتحقق بدون الربط بين البحث العلمى والتطبيق، وهى المشكلة التى قال د.عبد ربه بلهجة حاسمة إن «حلها يحتاج إلى إستراتيجية تدعمها الدولة».

وارتفعت نبرة صوته قليلاً، وهو يقول: «إن دولاً مثل اليابان وكوريا والصين وماليزيا استطاعت تحقيق ما يسمى بـ(الاقتصاد القائم على المعرفة)، عندما وضعت تلك الاستراتيجية، والتى تقوم على تقاسم تكاليف المشروعات البحثية ذات البعد التطبيقى بين الدولة والقطاع الخاص».

ويضيف إنه «إذا كانت تكلفة دعم مشروع بحثى تطبيقى 10 ملايين جنيه، وتقاسمت الدولة والقطاع الخاص هذه التكلفة، فإن الدولة عندما تنفق 5 ملايين جنيه، فهى ستوفر مليون دولار، كان سيتم إنفاقها فى استيراد البديل المستورد، وبالتالى إذا تم تنفيذ ذلك بشكل منتظم سنوياً مع منتجات يمكن توفير بديلها محلياً، سنتمكن مع الوقت من توفير 10 مليارات دولار، نريح بها ميزان المدفوعات».

وإلى أن توجد هذه الاستراتيجية، لا ينكر رئيس المدينة، أن هناك نجاحات تتحقق من خلال مبادرات فردية لباحثين تواصلوا مع الصناعة، كما حصل بعضهم على تمويل حكومى من صندوق تطوير العلوم والتكنولوجيا، بأكاديمية البحث العلمي، ولكن لا تغنى هذه المحاولات، فى رأيه، عن وجود استراتيجية متكاملة للربط بين البحث والتطبيق، تحقق «الاقتصاد القائم على المعرفة».

هجرة العقول بعد التخرج

وما يبدو محزناً بالنسبة لي، رغم أنه يرفع تصنيف مدينة زويل عالمياً، هو أن ثمار مشروع المدينة تقطفها جامعات غربية عبر استقطاب خريجيها لاستكمال دراستهم العليا بها، ولكن د.عبد ربه، لا يرى أن ذلك مزعجاً، بل اعتبره «شهادة نجاح».

وقال وقد اكتسى وجهه بمشاعر الفخر: «هؤلاء سفراء لنا بالخارج، مثلما كان الدكتور زويل سفيراً لنا»، وتساءل: «هل أضيرت مصر من أن الدكتور زويل الذى تعلم بجامعة الإسكندرية، سافر أمريكا وعمل فى كالتك، وحصل على جائزة نوبل؟، بالطبع لا، فالرجل لم تنقطع صلته بمصر، ونجح فى تأسيس المدينة العلمية التى نجلس بها الآن، وأنا شخصياً تعلمت بالخارج، وعدت للعمل بالمدينة».

ومع ذلك، يؤكد د.عبد ربه، أن «هناك كثيراً من الطلاب ممن لم يستهويهم استكمال الدراسات العليا، استمروا فى مصر، ونجحوا فى تأسيس شركات حققت نجاحات ملموسة فى وقت قصير، وهذه كانت إحدى أهداف د.زويل، حيث كان يتحدث كثيراً عن أن خريجى المدينة سيخلقون فرص عمل للآخرين، بدلاً من أن يشكلوا عبئاً على سوق العمل».

ومن أبرز قصص النجاح التى يعتز بها رئيس المدينة، هى شركة لأحد الخريجين متخصصة فى إنتاج البروتينات، لها فرع بدولة الإمارات وآخر فى أمريكا، إضافة لفرعها الرئيسى بمصر، وشركة لإنتاج روبوتات تقوم بتنظيف أسطح الخلايا الشمسية، وشركة ثالثة تقوم بإنتاج الأجهزة العلمية للجامعات ومراكز الأبحاث.

المقارنة مع «كاوست»

وعن المقارنة بين مدينة زويل وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا بالسعودية (كاوست)، ابتسم د.عبد ربه، قبل أن يقول: «صحيح أننا حصلنا من الدولة على دعم يعادل 3٫5 مليار جنيه، قيمة المبانى والأرض التى أنشئت عليها المدينة، إلا أن «كاوست» لديها 10 مليارات دولار كوقف، يدر عائد 600 مليون دولار سنوياً، فلو توفر لدى هذا المبلغ أعد بتحقيق أضعاف ما تحقق حتى الآن من إنجازات بحثية».

ومع ذلك، ورغم الفارق الكبير جداً فى الدعم المادي، يضيف: «مدينة زويل تنافس فى عدد الأبحاث وجودتها، حيث نشر باحثونا منذ نشأة المدينة 2600 بحث، معظمها فى دوريات علمية مرموقة».

ويعزى عبد ربه غزارة النشر البحثى إلى أن المدينة لا تغرق أساتذتها فى مهمة التدريس، مثلما تفعل الجامعات الأخرى، ويقول: «الجامعة فى المدينة يكون وقت الأستاذ بها موزعاً بين 60 % للتدريس، و40 % للبحث العلمي، أما المعاهد البحثية، فتكون النسبة 60 % للبحث العلمي، مقابل 40 % للتدريس وخدمة المجتمع».

ومن نقاط الاختلاف الأخرى مع «كاوست»، هى إنها جامعة بحثية للدراسات العليا فقط، لكن مدينة زويل، بها جامعة للتدريس فى مرحلة ما قبل الدراسات العليا.

وتسعى المدينة لاستقطاب مزيد من العقول المتميزة لهذه الجامعة من خريجى الثانوية العامة، عبر زيادة عدد المنح الدراسية.

ويقول عبد ربه: «كنا فى السنوات السابقة نقصرها على أوائل الجمهورية فقط، لكن هذا العام ستمنح كل كلية من كليات الجامعة الأربعة، منحتين لأوائل الثانوية العامة بكل محافظة مصرية، بالإضافة لأوائل مدارس (ستيم) والمدارس الأزهرية، ليصل عدد المنح التى سنقدمها هذا العام إلى 232 منحة، كما قررنا تخفيضات فى المصروفات للمتفوقين بالشهادات المعادلة، وسنمنح أبناء العاملين بالدولة والقطاع العام خصماً فى المصروفات بنسبة 10%».

وقبل أن أترك د.عبد ربه سألته، وأنا أشير إلى صورة د.زويل، إن كان اسم صاحب الصورة سيظل باقياً على المدينة، فتعجب قائلاً: «وهل سمعت عكس ذلك، فما أثير من لغط قبل سنوات بخصوص هذا الأمر، لم يتكرر».

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة