لوحة «الرجل والقط ١٩٥٦
لوحة «الرجل والقط ١٩٥٦


عبد الهادي الجزار

« الجزار».. صياغة فريدة لعالم الغيبيات

د. طارق عبدالعزيز

الأحد، 30 يونيو 2024 - 08:07 م

الفن التشكيلي مجموعة متنوعة من الإبداعات البصرية التى تعكس ثقافات وحضارات الشعوب، ولكل مبدع تجربة تحمل بصمته الخاصة التى تترجمها أعماله..

 عبد الهادي الجزار (1925-1966) اسم ارتبط بعلامات ومحطات مهمة فى تاريخ مصر، حيث سجل بريشته وأحاسيسه لوحات ترتبط بأحداث بارزة منها، ثورة يوليو 1952وما بعدها، حيث عاش تلك الفترة وتأملها وقدم من خلالها أعمالًا إبداعية عديدة منها: «النصر، والعدالة، والميثاق، وبورسعيد، والسلام»، فضلا عن قيامه برسم لوحة فريدة ترتبط بحفر قناة السويس بعنوان «حفر قناة السويس» عام 1965 أى قبل رحيله بعام واحد وكانت بتكليف من المتحف البحرى بالإسكندرية بهدف تسليط الضوء على جهد آلاف العمال الذين شاركوا فى حفر قناة السويس.. ساهم الجزار فى مرحلة بناء السد العالى من خلال لوحته الشهيرة «إنسان السد»، هذا بخلاف ما رسمه فى فترة الأربعينيات والخمسينيات التى عكست شخصيته التشكيلية الفريدة التى أضافت كثيرًا لفن التصوير المصري المعاصر.. منها لوحات: «المجنون الأخضر، وفرح زليخة، ودنيا المحبة، وتعويذة، وشواف الطالع، الرجل والقط».. أحلام الفقراء يعد الجزار فنانًا من الرعيل الثانى «جيل ما بعد الرواد».. إذ كان من أوائل الفنانين بين أبناء جيله الذين سخَّروا ريشتهم لرسم أحلام الفقراء والبسطاء، وارتبط بالعمال والفلاحين وأبناء الطبقات الكادحة.. وكان علامة بارزة من علامات الفن التشكيلى المصرى ولن نبالغ إذا قيل إن اسمه اقترن بفنانين عالميين كُثر..

ولد فى مارس 1925 وكانت نشأته بحى القبارى بالإسكندرية ورحل مبكرًا وهو فى سن الأربعين فى مارس 1966، عاش طفولته ما بين عروس البحر المتوسط وحى السيدة زينب حيث التقاليد والعادات الشعبية والأماكن التاريخية التى ستظل ملهمة للفنانين والشعراء والأدباء، ورغم أنه بدأ دراسته فى كلية الطب لكن سرعان ما تركها والتحق بالفنون الجميلة وتخرج فى قسم التصوير وعُين معيدًا بها عام 1950.. تدرج بعد ذلك فى الوظيفة الأكاديمية حتى وصل إلى درجة الأستاذ المساعد، وتخصص فى تدريس التكنولوجيا والترميموالفِرسْك، حتى حصل على الأستاذية فى التصوير من أكاديمية الفنون الجميلة بروما 1954 المعادلة للدكتوراه، ودرس فى معهد الآثار من 1950 حتى 1954، فضلًا عن برامج تدريس الفنون الجميلة فى أكاديميات ومعاهد إنجلترا وفرنسا وإيطاليا. 

 متعدد المواهب 

أتقن الجزار عدة لغات منها: الإنجليزية والإيطالية والفرنسية والألمانية، كما درس الهيروغليفية.. وقام بدراسة الموسيقى العربية على يد الموسيقار عبد المنعم عرفة واشتهر بعزفه على آلة العود..

وقام بكتابة بعض القصص للأطفال ورسم رسوماتها الداخلية، كما اشترك فى تقديم البرامج الفنية ومجلة الإذاعة براديو روما، وكانت له عدة تسجيلات من الأحاديث التليفزيونية فى مصر وإيطاليا.. فضلا عن مشاركته فى عدة أبحاث للفنون الشعبية كما كان له باع كبير فى العلوم والرياضيات التى تتحدث عن الخيال العلمى، وبعض التجارب فى الرسوم التجريدية.. وحكى أنه كان يحافظ على تلاوة القرآن وله فى هذا الصدد عدة تسجيلات بصوته. 

 الجوائز والتكريم 

حصد العديد من الجوائز رغم رحيله المبكر، من أهمها جائزة الدولة التشجيعية عام 1964، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عن رائعته إنسان السد عام 1964، والميدالية البرونزية في معرض ساو باولو بالبرازيل عام 1957، والميدالية الذهبية فى صالون الفنانين العرب بروما عام 1957، والميدالية الفضية من مدينة بارى الإيطالية عام 1958، وميدالية وشهادة تقدير من معرض بروكسل الدولى فى الفن التشكيلى عام 1958.. وله مقتنيات فى متاحف وسفارات مصر وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا والبرازيل ونيودلهى. 

 الوشم والحجاب 

سجل الجزار أعمالا كثيرة عن الكون والإنسان إذ كان شغوفًا بحل رموز عالم المجهول والروح والتعمق فى الحياة الشعبية والأساطير والخرافات والخيال والغيبيات.. وشكلت رسومات الوشم والحجاب والقوقعة والآلات والأسلاك رموزًا وشعارات كان يستعين بها فى أعماله، تلك الرموز خلقت حالة من الجدل التشكيلى وجعلت أعماله محل بحث ونقد لم يتوقف حتى وقتنا الحالى.

عاش الجزار فى عالمه ولوحاته ما بين الماضى والحاضر.. يتأمل وينقب عن المستقبل بكل حواسه وأدواته، ورغم مرور أكثر من نصف قرن على رحيله إلا أن أعماله ما زلنا نعيد اكتشافها ونتأمل زواياها ومداركها وإلقاء الضوء على جوانبها الخفية.. وقد تم رصد أعمال الجزار فى «الكتالوج المسبب» الذى صدر حديثا احتفاءً بتاريخه واعترافًا بموهبته بوصفه رائدًا من رواد الحركة التشكيلية، ويعد الكتالوج الإصدار الثانى من نوعه لفنان مصرى بعد كتالوج محمود سعيد.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة