علاء عبدالهادى
علاء عبدالهادى


يوميات الاخبار

الأخبار.. مدرسة

علاء عبدالهادي

الخميس، 13 يونيو 2024 - 07:37 م

ولأنها مدرسة، فهى ولادة، لا تضن بالكفاءات التى تكفيها، بل وتمنح فائض خبرائها وخبراتها للآخرين

..ولكنها «الأخبار» التى تبقى مدرسة منذ أن أسسها على ومصطفى أمين قبل أكثر من 7 عقود، قد تمرض، ولكنها سريعًا تتعافى، وتضبط مسارها، وتعود لتتصدر الصفوف، ولأنها مدرسة، فهى ولادة، لا تضن بالكفاءات التى تكفيها، بل وتمنح فائض خبرائها وخبراتها للآخرين.

مؤخرًا جاء على رأس مؤسسة «أخبار اليوم»، الكاتب الصحفى إسلام عفيفى، وبحكم تزاملنا لأكثر من عقدين متتابعين للشأن الثقافى، أدرك مدى كفاءته وإمكانياته التى تؤهله لقيادة السفينة، ولأن «الخير على قدوم الواردين» فلم يمر أكثر من شهرين على تسلمه الأمانة حتى صدر القرار الجمهورى بإنشاء جامعة «مصر الجديدة» لتكون رافدًا جديدًا لهذه المؤسسة العريقة..

كما تولى مسئولية «الأخبار» اليومى الكاتب الصحفى الشاب د. أسامة السعيد، ولم أكن أقرأ الغيب عندما بشرته برئاسة تحرير «الأخبار» قبل سنوات ليست بالقليلة. «السعيد» ليس فقط كاتبًا صحفيًا بل هو أيضاً أديب وله أكثر من عمل روائى، وفازت روايته «رواق البغدادية» بالمركز الأول لجائزة الشارقة للإبداع العربى فى دورتها الثامنة عشرة.. وسوف تستغرب عندما تعرف أنه فاز قبل أسابيع قليلة بجائزة دبى، أرفع جوائز الصحافة العربية، عن موضوع اقتصادى، وفوق هذا وذاك يحمل درجة الدكتوراه فى الإعلام من جامعة القاهرة ويدرّس فى عدة جامعات عريقة.

لماذا أكتب هذا اليوم؟ ببساطة لأن غدًا عيد ميلاد المحبوبة وسوف تلمس عزيزى القارئ أن «الأخبار» جددت مؤخرًا دماءها وعادت شابة، رشيقة، تحترم عقلية وذوق قارئها من دون ابتذال.

التسامح صناعتنا 

يعد الإمام الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر الأسبق، من الشخصيات الاستثنائية فى تاريخ مصر الحديث ولكنه لم يلق ما يستحقه من تكريم، رغم أهمية الدور الذى لعبه فى  تطوير الخطاب الدينى وفى حوار الحضارات فى أنصع صورها، ورغم أنه عاصر الحملة الفرنسية على مصر بل وكان شاهد عيان على واقعة اقتحام خيولها للجامع الأزهر، إلا أنه رغم ذلك كان من أشد المؤمنين بضرورة حوار الحضارات، دفعه لذلك عقليته المتفتحة التى تشكلت بعد 10 أعوام من عمره قضاها متنقلًا بين الحواضر العلمية فى القدس، والأردن وسوريا وألبانيا والأناضول.

جعلت تلك السنوات العشر، الشيخ العطار يرى ويحتك بثقافات العالم، وبعد أن تولى إمامة الأزهر الشريف فى عام ١٨٣١ بدأ فى بناء جسور تهيئ الأزهر للانفتاح على غيره من ثقافات العالم، لذلك كان دوره فى اتخاذ أحد أهم القرارات المؤثرة فى بناء مصر الحديثة على يد محمد على باشا وهو ابتعاث رفاعة الطهطاوى إلى فرنسا، وعياد الطنطاوى إلى روسيا.. 

كثير منا قد يعرف بعض المعلومات عن رفاعة رافع الطهطاوى.. ولكن هناك شخص لا يقل عنه أهمية يدعى محمد عياد الطنطاوى.. هل سمعت عنه؟
هو عالم أزهرى من مواليد 1810م قرية نجريد بالقرب من طنطا وتلقى علومه فى الجامع الأحمدى، المعروف بالسيد البدوى، وانتقل إلى الأزهر الشريف، لإكمال رحلته العلمية، وراح الطنطاوى يُعلم العربية للناطقين بغيرها، هذا الأمر الذى أظهر فيه نبوغًا، فتح له بابًا للتعرف عن قرب على كبار المستشرقين الذين توافدوا عل المنطقة، وبتزكية من تلامذته من كبار المستشرقين تم ترشيحه للسفر إلى روسيا ليكون أول مدرس للغة العربية للروس بعد أن تعلم اللغة الروسية، ووصل إلى  بطرسبورج بعد رحلة سفر مضنية استغرقت ثلاثة أشهر، واستقبل من قبل الطلبة الذين يدرسون العربية، والمستشرقين بما يليق بسمعته، وبقى هناك 4 سنوات عاد بعدها إلى مصر واصطحب زوجته وابنه وعاد إلى روسيا واستقر بها حتى مات ودفن فى أرضها، وترك ثروة فكرية تقدر بـ150 عملا بين كتاب ودراسة محفوظ فى مكتبة  الكلية الشرقية بجامعة بطرسبورج، كان من بينها كتابه الأهم «تحفة الاذكياء بأخبار بلاد الروسيا» كما كان له دور مهم فى تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة لدى المستشرقين سواء عن الإسلام أو اللغة العربية، حيث عمل أستاذًا للغة العربية فى وزارة الخارجية وفى جامعة بطرسبورج وترك وراءه تلامذة كانوا عمادًا لمدرسة اللغة العربية وآدابها وفى علوم الاستشراق.. ببساطة كان الشيخ الطنطاوى نموذجًا متكاملًا للتواصل الحضارى فى أنقى وأبهى صوره كما لعب دورًا مهمًا فى تأسيس وتأصيل العلاقات المصرية- الروسية، لذلك صنعوا له تمثالًا فى مقر المركز الروسى للعلوم والثقافة فى القاهرة. 

لماذا أذكر هذه النماذج البراقة فى تاريخنا لأن مكتبة الإسكندرية بصدد تنظيم منتدى دولى للسلام والتسامح تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى الربع الأخير من هذا العام، بشر بعقده د.أحمد زايد  مدير المكتبة فى افتتاح مؤتمر لرابطة الجامعات الإسلامية تحت عنوان «دور الجامعات فى إثراء جسور التفاهم والسلام بين الشرق والغرب»، توقفت كثيرًا أمام كلمة الدكتور أسامة الأزهرى؛ مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، التى تحدث فيها بعبقرية عن أن الإسلام الحق هو الذى يحترم الآخر، ويدعو إلى حوار الحضارات وليس صدام الحضارات على طريقة صامويل هنتنجتون وقال إن مقولة النبى محمد صلى الله عليه وسلم الخالدة «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» قاطعة والدليل وثيقة المدينة المنورة التى كانت أول وثيقة فى التاريخ ترسخ قيم الإخاء والتعايش الإنسانى، لم يكتف بذلك بل استعرض تجربة ثلاث شخصيات رآها نموذجًا لحوار الحضارات والتسامح فى أنصع صوره: الشيوخ العطار، والطهطاوى والطنطاوى.

بالدمع ناجيته

منَّ الله عليَّ بأداء فريضة الحج برفقة زوجتى عندما أتممت الأربعين، وعاودت العمرة بعد العمرة عدة مرات، فضل من الله من حيث لا أحتسب، وفى كل مرة يزداد الشوق، ويتملكنى الحنين أكثر من المرة التى سبقتها.

ها أنا تجاوزت الستين، ويشتد بى الحنين لمعاودة زيارة بيت الله الحرام، حتى أغتسل من ذنوبى التى عظُمت، وأستطيع البكاء طمعًا فى مغفرة الله وعفوه .. كنت صغيرًا عندما كنت أتعجب من كثرة بكاء أبى وهو يكاد يلتصق بشاشة التليفزيون متابعًا لمشاهد الحجيج من كل فوج عميق فوق جبل عرفات يؤدون مناسك الركن الأعظم، يردد معهم باكيًا بلسان تائب عابد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. 

كنت أتعجب وأتساءل عن سر هذا البكاء ومن أين يأتى أبى بهذه الدموع الفياضة؟ وازدادت حيرتى عندما أدى أبى الحج فإذا بحنينه يزداد ويصبح أكثر استعدادًا للبكاء مع كل موسم للحج!!

اليوم أعيش فى جلباب أبى، صرت أفعل نفس ما كان يفعل فى كل شىء حتى ما كنت أعترض عليه صغيرًا، كانت «دمعته قريبة» رقيق القلب، يبكى عندما يفرح، ويبكى عندما يحزن، تهزمه دموعه عندما يسمع أم كلثوم تتغنى برائعة بيرم التونسى «دعانى لبيته لحد باب بيته، ولما تجلى لى بالدمع ناجيته» مثلك صرت يا حاج على، وحتى لا أقع فى فخ نظرات الاستغراب من أولادى، أصبحت أغلق باب حجرتى وأترك الحرية لدموعى.

ساعات ويؤدى الحجيج الركن الأعظم بالوقوف على صعيد جبل عرفات، هنيئًا لكل من دعاه ربه ويسر له حج بيته، اللهم اغفر لهم ولنا، واغسل دموع أهلنا فى غزة وامسح على قلوبهم الملتاعة على فقدان الأحبة، على يد مغتصب فاجر. 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة