د. عادل ضرغام
د. عادل ضرغام


يوميات الاخبار

المراكز الثقافية الناشئة

الأخبار

الأحد، 09 يونيو 2024 - 07:51 م

يكتبها اليوم :د. عادل ضرغام

 

الجوائز فى بعض الأحيان بها نوع من إثبات المركزية، والعمل على تشييد حدودها، وهى مركزية أشبه بمركزية المنح، لكى تضع قدمها وكتفها بجوار مراكز الإنتاج والإنجاز، فتأخذ شيئا من بريقه.

لكل ثقافة تحاول أن تفرض نوعًا من الهيمنة بجوار ثقافة تليدة، مارست دورًا كبيرًا فى تشكيل الأفق العربى فى حركته وتوجهاته لعقود وقرون، آليات عديدة تحاول من خلالها تأسيس وجودها ومكانتها، لإسدال مساحة من التأثير والتحكم. وهذه الثقافات تتوزَّع إلى اتجاهين، الأول منهما يرتبط بالهجوم المباشر على الثقافة التليدة، ومحاولة الانتقاص منها، من خلال الإشارة إلى أن سلطتها لم تعد آنية، بل مشدودة إلى ماض بعيد، وهذا ربما يكون مشروعًا فى لحظة انتشاء زمنى سرعان ما تتفتت دوائر أمام سلطة مركز الثقافة التليدة، وسرعان ما يتبخّر هذا الهجوم، ويتحوّل بتكراره إلى آلية غير مجدية فى تحقيق الهدف، فصلابة المركز فاعلة فى صد أى هجوم موجّه. أما الاتجاه الآخر فيأخذ توجها أقلّ حدة فى المواجهة، ولكنه أكثر خطورة، لأنه يتوسل إلى هدفه بوكلاء وملتزمين، يتمّ انتقاؤهم بعناية، فسمات الوكيل أو الملتزم الضحالة والضعف والسكون، فهم - وإن كانوا لامعين حين تنظر إليهم من بعيد- متهافتون، يدورون حول أشباههم من المتورّمين جهلا المزدانين بالضعف والصمت والركون إلى فاعلية التكرار فى تثبيت وجودهم.


فى ظلّ ذلك السياق الخاص بفرض هيمنة لا تستند إلى تاريخ، يصبح الزائف حقيقيا، وتتحوّل مصر الثقافية -مصر الكبيرة- إلى صورة مؤطرة بحدود اختيار الوكلاء والملتزمين، فهم وكلاء مجبرون داخل حيز ثقافتهم على العمل وفق أهداف تقلّل من قيمتها، حتى لو لم يدركوا خطورة ما يفعلون، لأن انتخاب واختيار النماذج الممثلة لهذه الثقافة مخيف، يبعدها عن سياقها، وعن تناسلها وتجذّرها المنطقي.


محمد فتّوح وجوائز الدولة
يبقى محمد فتّوح أحمد أستاذ الأدب بكلية دار العلوم، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، واحدا من أساتذة الأدب الذى يدين له الكثيرون بالفضل، فقد علّم الكثيرين من نقّاد الأدب وأساتذته كيفية التعامل مع النصوص الأدبية برهافة فاتنة وقدرة فائقة. لا أريد أن أعدد منجز الرجل الكتابى فهو عَلَم فى تخصصه فى نقد الشعر والرواية أو المسرح، أو فى مجال الترجمة، أو فى كتابته الشعرية، لكن أودّ أن أشير إلى حالة خاصة ربما تتكرر كثيرا، وهى حظ هؤلاء فى الحصول على جوائز الدولة، فمحمد فتوح -وغيره كثيرون- لم يحصل على جائزة الدولة التقديرية، وهى جائزة حصدها كثيرون لا يصلون بمنجزهم إلى قيمة منجزه، هم فقط يجيدون الحركة، واهتبال الفرصة، والعمل وفق فكرة باولو كويللو (بنك ردّ الجميل) التى تشكل فى اللحظة الآنية مساحة كبيرة من حركة الثقافة المصرية.


أذكر أنه فى محاضرة عامة له فى مؤسسة ثقافية بمصر، بعد أن انتهى منها، وفى أثناء تناول الغداء -وكنت أجاوره- وقف أستاذان كبيران يعتذران عن عدم حضورهما بانشغالهما أثناء المحاضرة، فأوقف حركة الشوكة والسكين، أنصت إليهما موجّها عينيه باتجاهي، وبعد انتهاء حديثهما، لم يفعل شيئا، ولم ينطق، ولم يعلّق، هو فقط واصل طعامه محرّكا شوكته وسكينه. ربما تسرّب إليّ شيء من هذا، كما تسربت أشياء عديدة فى ارتباطى به، فقد كان ــ رحمه الله ــ  ينتقى تلاميذه، وقد قال فى أول مناقشة علمية لى معه فى 2004: علاقتى بعادل يمثلها قول أحمد عبد المعطى حجازى (أصدقائي، ها هى الساعة تمضي، فإذا كنتم صغارا فاحذروا ألا تموتوا) مشيرا بهذا الاقتباس إلى أبدية وجوده واستمراره فى آخرين يحملون فكره.


شوقى وأدونيس
أثناء كتابتى لمقال عن ديوان شعر للشاعرة السورية أفين حمو أحالنى البحث إلى حوار مع أدونيس فى شهر فبرابر الماضى فى إحدى المجلات، أزعجنى جدا رأيه فى أمير الشعراء أحمد شوقي، حين قال (ماذا يقدّم شوقى إضافة إلى الشعراء الذين استعادهم أو قلدهم؟ لا يضيف شيئا لا على صعيد اللغة، ولا على صعيد الأفكار، ولا على أى صعيد). وهذا الرأى يبدو مشدودا إلى انتماءات فنية أيديولوجية، فأدونيس طوال تاريخه مع قفزة الانقطاع عن الماضى من خلال إسدال مسوح الابتداع، فهو مهموم بكل النماذج الشعرية التى تخرق مواضعة أو تهشّم اتفاقا فنيا، وشوقى -وشعره- رصيف المتنبى فى انفتاحهما على التأصيل الممتد لكل ما سبق، سواء أكان تأصيلا فنيا أو خلقيا لكل القيم الموجودة قبله. ومن الطبيعى فى ظلّ ذلك أن يكونا مختلفين، ولكن المزعج فى قول أدونيس يتمثل فى حالة التعميم التى انطوى عليها قوله فى طريقة النظر إلى شاعر بحجم شوقي، بمنجزاته الفنية، وبمغامرته الفنية فى اجتراح الشعر المسرحي، وإن كان به سمة غنائية. هذا التعميم يحتاج إلى مراجعة، فشوقى ، حتى شوقى المغنّي- لديه إضافات وإبداعات شعرية تضارع إضافات كثيرين من شعراء الانقطاع، من أمثال أبى تمام وأبى نواس حتى إضافات أدونيس نفسه بمنجزه الكبير.


الجوائز والأشكال الأدبية
للجوائز -بشكل عام- أهداف متوارية غير معلنة، فهى إما وسيلة من وسائل الترويج لشكل أو نوع أدبي، أو لإعطاء قبلة الحياة والقدرة على التواجد لشكل أو لنوع شارف على الذوبان والتلاشي، وفى كل ذلك هناك سلطات أعلى تتحكم فى حركتها، ربما تكون سلطات تتعاظم على الحدود الجغرافية والمكانية. هناك صنف من الجوائز يرتبط هدفه الأساسى باستبقاء الشكل، والعمل على بثّ الروح والحياة فى عروقه بعد تيبسها، خاصة إذا كان هذا الشكل لم يعد قادرا على الإمساك باللحظة وقراءة روح العصر والتجلى فى إطاره، فشعرية الفنون الأدبية على تنوّع أشكالها ليست ثابتة، بل متحركة، وفى كل فترة من الفترات تأخذ شكلا مغايرا عن الفترات السابقة، ففى فترة قد تكون ذهنية فكرية، وفى أخرى قد تكون مشدودة لحدود الذات، أو فى مراقبة الآخر، والإصغاء لخطوته ومراقبته.


الجوائز فى بعض الأحيان بها نوع من إثبات المركزية، والعمل على تشييد حدودها، وهى مركزية أشبه بمركزية المنح، لكى تضع قدمها وكتفها بجوار مراكز الإنتاج والإنجاز، فتأخذ شيئا من بريقه، ويكسب بعضا من عطائها. ولكن بعض الجوائز تشتغل ضد حركة التاريخ وسيره للأمام، فالجائزة حين تكون تبئيرا على شكل، واستنهاضا له، تصبح خارج نطاق العصر، لأنها مهمومة بشكل ماضوي. وفى هذه الجزئية يتشكل الخطر، وهو خطر مضاعف، لأن مبدعينا -انطلاقا من قيمة الجائزة- يصبحون موزّعين بين متطلبات الفن، ومتطلبات أهداف الجائزة المتوارية. والنتيجة فى كل ذلك وجود أدب وأدباء لهم قيمة فى سياق الجوائز، لكنهما غير فاعلين أو مؤثرين فى سياق اللحظة الزمنية الإبداعية الآنية .


ملهمات أمل سالم
 يعتمد الكاتب أمل سالم فى قصته (ميوزيس) التى وضعت عنوانا للمجموعة، على الملهمات التسع، ويقدمها تقديما خاصا، لا يرتبط بالحوار الجمالي، ولكنه توظيف ينبهنا إلى صور عديدة للفن، فالفن لم يعد مرتبطا بالقداسة أو الجدارة، بقدر ارتباطه بالسلعة والاستهلاك والفقد التدريجى لقداسته. فالملهمات التسع يظهرن بوصفهن خلفية أو مستوى مثاليا للفن فى ارتفاعه على تنوّع أشكاله ودلالاته، وفى مقابل هذه المثالية المقدسة هناك تنويعات للفن أو تكرارات لا ترتبط بالسماء وارتفاعها، وإنما ترتبط بالبشري، وما يجاوبه من أشياء كاشفة عن التنازل والفقد والاكتساب فى سبيل الوصول .

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة