إيهاب فتحى
دولــة العـدالــة
السبت، 01 يناير 2022 - 11:45 ص
لكل أمة منظومة من القيم الحضارية ترتكز عليها فى رؤيتها للعالم المحيط بها، وتعلى كل أمة من إحدى القيم على غيرها وفق تجربتها التاريخية، وعندما نتطلع لحضارة الأمة المصرية الممتدة لسبعة آلاف عام نجد بوضوح أن القيمة العظمى التى أدارت وجود أمتنا المصرية على هذه الأرض الطيبة هى قيمة العدل وتحقيق العدالة لكل من ينتمى لهذه الحضارة العريقة أو حتى كان غريبا وعاش على أرضها، فمفهوم تحقيق العدالة فى الحضارة المصرية يعلو على الانتماء.
هذه القيمة المصرية الخالدة الثابتة فى الوجدان المصرى جعلت المصريين يمتلكون ميزانا دقيقا يحرك رؤيتهم تجاه الدولة التى تدير شئون الأمة، فنجاح الدولة فى هذه الإدارة قائم على تحقيق مفهوم العدالة بكافة تجلياتها من علاقة المواطنين ببعضهم البعض أو علاقة المواطن بدولته.
منذ فجر الضمير الذى أشرق على هذه الأرض وابتكار منظومة الدولة التى تدير شئون المجتمع، وهو الابتكار الذى أهدته الأمة المصرية للإنسانية كان سعى الدولة المصرية الدائم إلى تحقيق مفهوم العدالة وتطبيق آليات العدل لتكن حاكمة لحركة المجتمع.
دائما ماكان الاضطراب الذى يصيب المجتمع فى فترات تاريخية معينة ويؤثر فى حركة الدولة مرتبطا بخلل فى تحقيق وتطبيق مفهوم العدالة وآليات العدل، بل أن معيار النجاح فى إدارة الدولة المصرية لشئون مواطنيها ظل قائما على هذه المنظومة من التحقيق والتطبيق، لذلك فإن تأسيس مشروع الحداثة والدولة الحديثة على الأرض المصرية فى قلبه دائما تحقيق مفهوم العدالة بسبب هذا الارتباط التاريخى بين المصريين ومنظومة القيم التى تحكمهم وعلى رأسها قيمة العدالة.
أدركت دولة يونيو منذ لحظة التأسيس الأولى وهى تثبت قواعد الدولة الحديثة وتتجه فى طريق جمهورية جديدة أن مفهوم العدالة وتطبيق آليات منظومة العدل على رأس أولوياتها، بل أن هذا المفهوم والتطبيق يجب أن ينال النصيب الأكبر من التحديث ضمن المشروع المصرى الشامل للحداثة، والحقيقة أن الدولة المصرية التى تعمل ماكيناتها الآن بكامل طاقاتها من أجل تحقيق المشروع المصرى أدارت عملية التحديث فى منظومة العدالة بدرجة عالية من الإتقان والسرعة وباتساع هذه المنظومة ولمصلحة الوطن والمواطن.
تبقت ساعات قليلة على رحيل عام وقدوم عام جديد وتعطينا هذه الفترة الانتقالية فرصة لرؤية مشهد التحديث فى منظومة العدالة أو القيام بإطلالة على هذا المنجز الذى حققته الدولة المصرية، وكان فى صميم قرارات القيادة السياسية ويتضح هذا فى الكلمة التى ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى الاحتفال بيوم القضاء المصرى فى أكتوبر الماضى فكان هذا الإصرار على التطوير والتحديث والفهم العميق لأهمية الإحساس بتطبيق العدالة بالنسبة للمصريين «نؤكد على أن مؤسسة القضاء هي إحدى السلطات الرئيسية للدولة ولها مكانتها المرموقة في نفس كل مصري بما تحققه من عدالة تنشر بها السلامة المجتمعية والطمأنينة التي يأنس بها كل مواطن، وتأسيسًا على هذا الدور المهم كانت التوجيهات للحكومة بتوفير المخصصات اللازمة لتطوير منظومة القضاء وتحقيق العدالة الناجزة وتيسير الخدمات المقدمة للمواطنين، وقد جرى التطوير على عدة محاور لتشمل المقرات والآليات واستخدام التطبيقات التكنولوجية لتسهيل الحصول على المعلومة القانونية وسرعة مباشرة الإجراءات لإنجاز الدعاوى والخدمات الخاصة بالمواطنين، كما شمل التطوير كذلك بناء القدرات الشخصية وتعزيزها لانتقاء المتميزين وتأهيل القادرين على اعتلاء المناصب القضائية.
لم يكن التطوير والتحديث فى منظومة القضاء وتحقيق العدالة الناجزة مرتبطا فقط بإدخال الوسائل التكولوجية الحديثة فى عملها بل كانت الخطوة الهامة والتى تحقق أهداف المشروع المصرى الشامل للتحديث وهى التحاق المرأة المصرية بالنيابة العامة ومجلس الدولة لتكتمل حقوقها الدستورية.
عندما نتكلم عن مفهوم العدالة بمعناه الشامل الذى تدركه الدولة المصرية الحديثة نجد أن منجزها فى تحقيق هذا المفهوم لا يتوقف فقط على السلطة القضائية بل هو يمتد لكافة تجليات هذا المفهوم، ففى هذا العام أيضا كانت الدولة المصرية تضع خارطة طريق شاملة لهذا المفهوم من خلال الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى سبتمبر الماضى.
فلا يمكن تخيل أن الدولة المصرية تسعى إلى تطوير وتحديث منظومة العدالة ولا يكون لها رؤية واضحة حول حقوق المواطن الذى تسعى إلى تحقيق العدالة له فى كافة المجالات، ولذلك كانت الاستراتجية الوطنية لحقوق الإنسان هى الإطار لمفهوم العدالة الذى تريده الدولة والمواطن وهذا مايؤكد أن منجز التطوير والتحديث الذى تديره الدولة وتطبقه القيادة السياسية تجاه مفهوم ومنظومة العدالة يسير وفق منهج محكم ووطنى مصرى خالص.
هل توقف التطوير والتحديث عند هذا الحد؟ الإجابة على هذا السؤال تنقلنا إلى آليات التطبيق والتى يجب أن يتحقق بها نفس النجاح حتى لايقتصر الأمر فقط على رؤية جيدة للمفهوم دون وجود هذه الرؤية الجيدة على أرض الواقع من خلال التطبيق.
يقدم مركز الإصلاح والتأهيل بوادى النطرون والذى شيدته وزارة الداخلية مؤخرا بديلا عن السجون التقليدية أفضل مثال على التطبيق الناجح وانعكاس للرؤية الجيدة لتطوير تعامل الدولة مع مفهوم العدالة وتطبيقها فنحن أمام فلسفة عقابية جديدة لا تهدف إلى العقاب فى حد ذاته تجاه من خرج على القانون بل إلى ترسيخ رؤية أشمل نابعة من رحابة حقوق الإنسان فى أحقية هذا الإنسان فى فرصة أخرى من أجل حياة أفضل، بل أن المدة العقابية التى يقضيها هذا المواطن لاتكون خصما من حياته وحياة المجتمع ولكن تتحول إلى طاقة إنتاجية تحقق الفائدة للإثنين.
يعكس هذا التطور أيضا فى تطبيقات الفلسفة العقابية تطورا فى فكر الدولة ذاته وعلاقاتها بمواطنيها وإدراكها الأشمل لمفهوم العدالة فهنا الدولة لاتكتفى فقط بممارسة دورها كسلطة تنفذ القانون ضد من خرج عليه وهذا حقها وواجبها الأصيل، بل تنتقل إلى دور أكثر شمولا وهو تقديم الرعاية العادلة لمن يريد العودة إلى المجتمع كإنسان سوى أدرك خطأ مافعله بعد أن تجاوز فى حق مجتمعه.
لايقتصر المنجز الذى تقوم به الدولة المصرية الحديثة على تطوير الفلسفة العقابية كأحد التطبيقات الهامة والمتقدمة من خلال مركز الإصلاح والتأهيل، ولكن هناك أمرا آخر يرتبط ارتباطا وثيقا بتطبيقات مفهوم العدالة وهو إدراك المواطن أن الدولة قادرة وبقوة القانون على مواجهة أى خلل فى المنظومة المجتمعية وهو ما يعطى لهذا المواطن الإحساس بوجود العدالة فى مجتمعه ولعل أبرز مثال على هذه المواجهة هى مواجهة الفساد بكافة صوره.
من أجل تطوير وترسيخ مفهوم العدالة أعطت الدولة المصرية فى مشروعها الحداثى اهتماما خاصا بتفعيل آليات منظومة الرقابة لكى تنجح جهودها فى مواجهة آفة الفساد، وتم ذلك من خلال الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتولت هيئة الرقابة الإدارية هذه المهمة الوطنية بكفاءة وإتقان تام، وظهرت قوة نتائج المواجهة بشكل واضح فى الإحساس بالثقة الذى امتلكه المواطن تجاه دولته وقدرتها على تحقيق العدالة ثم إدراكه خلال ما يراه من تطبيق مواجهة آفة الفساد أنه لا يوجد أحد فوق القانون.
إذ كانت الدولة المصرية الحديثة تحارب آفة الفساد فهى طوال السنوات الماضية حاربت الإرهاب الأسود ومنفذيه من عصابات الفاشية الإخوانية، ولم تخرج الدولة فى حربها على الإرهاب عن مفهوم العدالة أو آليات تطبيق العدل رغم أن الإرهاب الاسود ومنفذيه الفاشيست لايعرفون أى نوع من القيم ، وكان التزام الدولة بالمفهوم والتطبيق دافعها لتطوير قدرة أجهزتها التى تتصدى للإرهاب الأسود فى الحصول على المعلومة الصحيحة والحاسمة، واستطاع رجال الأمن الوطنى من خلال معلوماتهم الدقيقة تقديم رؤوس ومنفذى عمليات الإرهاب الأسود إلى محاكمات عادلة لينالوا جزاءهم العادل بقوة القانون، لأن الأمة المصرية طوال تاريخها القديم والحديث اتبعت دائما فى رقى طريق العدالة حتى تجاه أعدائها .
لقد شهد العام 2021 تطورا وتحديثا غير مسبوق فى منظومة العدالة بكافة تجلياتها وبالتأكيد ماتحقق يعتبر بكل المقاييس إنجازا ضخما لكن وفقا لمعدلات العمل المتسارع الذى تقوم به الدولة المصرية الحديثة فى كل المجالات وتديره القيادة السياسية باقتدار فإن الأمة المصرية سترى المزيد من التقدم والتحديث فى الأعوام القادمة فى مفهوم العدالة وتطبيقاتها.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة